سورة هود - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)}
{الإنسان} للجنس {رَحْمَةً} نعمة من صحة وأمن وجدة {ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ} ثم سلبنا تلك النعمة {إنه ليؤوس} شديد اليأس من أن تعود إليه مثل تلك النعمة المسلوبة. قاطع رجاءه من سعة فضل الله من غير صبر ولا تسليم لقضائه ولا استرجاع {كَفُورٌ} عظيم الكفران لما سلف له من التقلب في نعمة الله نَسَّاءٌ له {ذَهَبَ السيئات عَنّي} أي المصائب التي ساءتني {إِنَّهُ لَفَرِحٌ} أشر بطر {فَخُورٌ} على الناس بما أذاقه الله من نعمائه، قد شغله الفرح والفخر عن الشكر {إِلاَّ الذين} آمنوا، فإنّ عادتهم إن نالتهم رحمة أن يشكروا، وإن زالت عنهم نعمة أن يصبروا.


{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)}
كانوا يقترحون عليه آيات تعنتاً لا استرشاداً، لأنهم لو كانوا مسترشدين لكانت آية واحدة مما جاء به كافية في رشادهم. ومن اقتراحاتهم {لَوْلاَ أُنُزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ} وكانوا لا يعتدون بالقرآن ويتهاونون به وبغيره مما جاء به من البينات، فكان يضيق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقى إليهم ما لا يقبلونه ويضحكون منه، فحرّك الله منه وهيجه لأداء الرسالة وطرح المبالاة بردّهم واستهزائهم واقتراحهم بقوله: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ} أي لعلك تترك أن تلقيه إليهم وتبلغه إياهم مخافة ردّهم له وتهاونهم به {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} بأن تتلوه عليهم {أَن يَقُولُواْ} مخافة أن يقولوا: {لَوْلاَ أُنُزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ} أي هلا أنزل عليه ما اقترحنا نحن من الكنز والملائكة ولم أنزل عليه ما لا نريده ولا نقترحه، ثم قال: {إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ} أي ليس عليك إلا أن تنذرهم بما أوحي إليك وتبلغهم ما أمرت بتبليغه، ولا عليك ردّوا أو تهاونوا أو اقترحوا {والله على كُلّ شَيْء وَكِيلٌ} يحفظ ما يقولون، وهو فاعل بهم ما يجب أن يفعل، فتوكل عليه، وكل أمرك إليه، وعليك بتبليغ الوحي بقلب فسيح وصدر منشرح، غير ملتفت إلى استكبارهم ولا مبال بسفههم واستهزائهم.
فإن قلت: لم عدل عن ضيق إلى ضائق؟ قلت: ليدل على أنه ضيق عارض غير ثابت، لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفسح الناس صدراً. ومثله قولك: زيد سيد وجواد، تريد السيادة والجود الثابتين المستقرين، فإذا أردت الحدوث قلت: سائد وجائد ونحوه كانوا قوماً عامين في بعض القراءات، وقول السمهري العكلي:
بِمَنْزِلَةٍ أَمَّا اللَّئِيمُ فَسَامِن *** بِهَا وَكِرَامُ النّاسِ بَادٍ شُحُوبُهَا


{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)}
{أَمْ} منقطعة. والضمير في {افتراه} لما يوحى إليك. تحداهم أوّلا بعشر سور، ثم بسورة واحدة، كما يقول المخابر في الخط لصاحبه: اكتب عشرة أسطر نحو ما أكتب، فإذا تبين له العجز عن مثل خطه قال: قد اقتصرت منك على سطر واحد {مِّثْلِهِ} بمعنى أمثاله، ذهاباً إلى مماثلة كل واحدة منها له {مُفْتَرَيَاتٍ} صفة لعشر سور لما قالوا: افتريت القرآن واختلقته من عند نفسك وليس من عند الله، قاودهم على دعواهم وأرخى معهم العنان وقال: هبوا أني اختلقته من عند نفسي ولم يوح إلي وأنّ الأمر كما قلتم، فأتوا أنتم أيضاً بكلام مثله مختلق من عند أنفسكم، فأنتم عرب فصحاء مثلي لا تعجزون عن مثل ما أقدر عليه من الكلام.
فإن قلت: كيف يكون ما يأتون به مثله، وما يأتون به مفترى وهذا غير مفترى؟ قلت: معناه مثله في حسن البيان والنظم وإن كان مفترى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8